لم تستند شهرة هذه اللوحة وقيمتها داخل الفن التشكيلي المعاصر إلى مجرد شهرة الفنان الذي رسمها وما يحتله من موقع طليعي في الحركة السريالية التي بلغت ذروتها في فترة ما بين الحربين, بل قامت أهميتها على ركيزتين لا يجوز فصل إحداهما عن الأخرى. الأولى: ركيزة بصرية خالصة داخل الإطار التشكيلي. والثانية: ركيزة فلسفية ذات صلة مباشرة بجوهر الأزمة الوجودية التي عصفت بالإنسان وحضارته المعاصرة, وخصوصاً في غرب أوربا.
فإذا كانت لوحة 1931، قد صورت الخراب على صورة خواء تنتشر فيه الساعات الثلاث، على خلفية ألوان توحي بانفجار ما، بعيد، جمّد الزمن وفرّغ الأشياء من معانيها، فلم تعد الساعة ساعة ولا الشجرة شجرة ولا حتى الأرض أرضاً .
باختصار، ما لدينا هنا، إذاً، إنما هو نبوءة خراب حقيقية، بدلاً من أن يبتدع سلفادور دالي للتعبير عنها هنا لوحة جديدة، آثر أن يعود إلى لوحته القديمة بعد ربع قرن ليحدث فيها من التجديدات والفوارق ما يؤكد الارتباط بين ما كان يتحدث عنه قبل مجيء القنبلة الذرية التي كانت الطريف بالأمر و الذي لا يمكن أن ننهى هذا الكلام من دون الإشارة إليه، هو أن المكان الذي يحدث فيه هذا كله، ليس اليابان، حيث ألقيت أول قنبلتين ذريتين ولا أميركا أو روسيا أو حتى وسط أوروبا حيث الحرب الباردة تحتدم، بل إنه يقع في المنطقة التي كان سلفادور دالي يعيش فيها خلال تلك الحقبة من حياته: خليج كويليرو، وتحديداً بالقرب من منزل دالي المعزول في «بورت ييغات». وكان من الواضح هنا – من اختيار دالي للمكان – أنه إنما يريد أن يقول أن صخب القنبلة الذرية وخرابها، يهددان بالوصول حتى إلى أكثر مناطق العالم عزلة لت شغله الشاغل وبين ما يرى أن الوضع قد صار عليه وقد ألقيت القنبلة بالفعل وباتت منذ ذلك الحين تهديداً دائماً يحاصر البشرية.