تذوق لوحة الجيرنيكا- للفنان بيكاسو

تذوق ونقد لوحة الجرنيكا للفنان / بيكاسو

لوحة الفنان الأسباني بابلو بيكاسو ( الجورنيكا )
1- التحليل الوصفي :
تعتبر لوحة ( الجورنيكا ) من أشهر اللوحات التي رسمت في القرن العشرين بل من أشهر اللوحات في تاريخ الفن والتي رسمها الفنان الأسباني بابلو بيكاسو وهي من أشهر لوحاته والتي تعبر عن معانات الإنسانية حيث يبلغ مقاس اللوحة ( 3,50م x7,80م )والتي رسمت بالألوان الزيتية وهي موجودة في متحف ( برادو ) بمدينة مدريد الأسبانية وقد نفذها الفنان عام 1937م , وعند النظر والتركيز في عناصر هذه اللوحه نجد أنها تحكي وتجسد الدمار والعنف والوحشية والقسوة والخوف وما نتج من أجساد مقطعة ومشوهه والتي تهاوت تحت الأقدام ومظاهر القتلى والثكلى والافواه الفارغة , وقد احتوت هذه اللوحه على تسعة أشكال واضحة وبارزة عن الأشكال الأخرى وهي تتمثل في أربع نساء وطفل وتمثال المحارب وثور وحصان وطائر , حيث يظهرن النساء وهن يصرخن ويتألمن ويجرين ويسقطن , ويظهر في يمين اللوحه رجل نصفه إنسان ونصفه الأخر تمثال ويبدوا وهو كقاعدة غير متحركة , وفي الطرف الأيسر نشاهد ثور ثابت وغير متحرك وقد لف وجهه ألى اقصى اليسار وهو في حاله تكبر وتعالي




ويبدوا أنه خارج هذه الكارثة التي حلت بهذه القرية كونه غير متأثر بها وبدون تحمل أي مسؤولية , ونجد في أسفل رسمه الثور شكل إمرأه تصرخ
وهي تحمل طفلاً ميتاً بين يديها , وتحت هذا المشهد نجد محارب أسباني يحتضر وهو يمسك بيده سيف وسط زهور هشة ويده الأخرى ممدودة على الأرض وممزقة , ونلاحظ في منتصف اللوحة حصان يحتضر وفي حالة سيئة لا يستطيع القيام من مكانة وهو ممزق بشدة ونلاحظ فتحات أنفة كبيرة من شدة الألم وصعوبة التنفس وفتح فمه وأخرج لسانه , ونشاهد كذلك في الجهه اليمنى فتحه وكأنها شباك تخرج منه صرخة مدوية وفي الأسفل نشاهد أمرأة منحنية وهي متألمة وتبكي من شدة المصاب , ونشاهد في أعلى اللوحة مصباحين أحدهما صغير وكأنة مدفوع بقوة من جهه الشباك وفي أعلى رأس الحصان يتضح مصباح كبير وكأنة شمس يشع نوره على شكل عين وبرزت الخطوط الحادة الرفيعة التي تتوزع في جميع الأتجاهات بالون الأسود والأبيض التي تدل على انتشار النور.

2- التحليل الشكلي :
استخدم الفنان بيكاسو الألوان الاسود والأبيض والرمادي (ألوان أحادية ) وهي تعد جزء من خبرات هذا الفنان التي مر بها عن طريق المرحلة الزرقاء والوردية ومرحلة التأثر بالمرحلة الأفريقية (الزنجية )وغيرها حيث استخدم اللون الأسود خلفية للوحة الذي أوحى بالظلمة علماً بأن الكارثة وقعت نهاراً , وقد قصد الفنان إلى تحرير الأشكال من شكلها التقليدي التي رسمها مع الاحتفاظ بقيمتها الرمزية المكتسبة من خلال اختزالها في أشكال تعبيرية تجريدية , وقد اهتم بيكاسو في هذا العمل الفني الرائع على بالأشكال وعلاقتها العامة مع بعضها البعض وحرص على تحديد اطارها التكويني العام , وقد استخدم بيكاسو تقنية الأقلام ذات اللون الأسود وأقلام الفحم والحبر ,أما بالنسبة للخطوط فنجد أنها متداخلة ومتكسرة ومنحنية وزوايا حادة , ونجد ان الفراغ الاسود الموجود في معضم اللوحة قد جمع معالم الدمار والغضب والمطالبة بالعدالة المنصفة لما وقع على أهل هذه القرية من الظلم .





ولا نلاحظ في هذا العمل الفني أي أشكال للطائرات الحربية القتالية رغم وجود هذه الطائرات أثناء الهجوم على القرية , وكذلك عدم وجود اللون الأحمر الذي يدل على الدم والقتل والظلم , ولم يوجد الفنان فروق بين
النار والضوء أو بين تلك التعقيدات الشكلية للأشخاص الموتى والأحياء , ونجد أن عنصر النساء والأطفال وهذا يدل على أن أغلب من كان في القرية هن النساء والأطفال لوجود الرجال في جبهة القتال ,كما أن بيكاسو ينظر للنساء والأطفال بأنهم رمز للاكتمال التام للجنس البشري ,وأن انتهاك حرمتهم هو انتهاك للجوهر الجنس البشري .

3- تحليل المعنى :
- التحليل الداخلي ( الضمني )
أعتمد الفنان بيكاسو في تجسيده لقضية القرية على استقراء الابعاد الرمزية والذهنية للوحه فنجد في رسمه للمرأة الواقفة في الجهة اليسرى من اللوحة وبكاءها على طفلها الذي مات والذي تحتضنه وهو لرمز عالمي يدل على ألم الإنسان ومعاناته , ونلاحظ أن قبضة السيف لا تعبر عن الهزيمة بل تدل على روح القوة والبقاء , ونلاحظ المصباح الصغير يشير للقوة الخفية والكامنة والموجودة في أسبانيا ولكن قوة الظلم والعدوان هي التي قامت بإخفاءه , كما أن ضوء هذا المصباح يدل على الضمير العالمي الحي الذي يلقي بالضوء على هذه المأساة , أما الثور فهو رمز للوحشية التي قام بها هؤلاء الأعداء المتمثلة في القوة الألمانية النازية الفاشية , وكذلك استقى رمز الثور من ثقافة الاسبان لاستخدام الثور في المصارعة المشهورة بها أسبانيا , ونشاهد رمز الحصان وهو رمز لأهل القرية وجمود هذا الحصان عن الحركة يدل على مظاهر الاحتجاج ضد هذا الاجتياح الغاشم , ونجد المصباح الكبير وهو يدل على الفظاعة وقوة العدوان الذي حل بأهل القرية إذن اللوحة بمجملها هي حكاية وقصة لمعانة وظلم وقع على قرية ( الجورنيكا ) .







- التحليل الخارجي ( غير الضمني )
ان السبب الذي دعى الفنان بيكاسو لرسم هذه اللوحة هو الحادث والهجوم الظالم الذي وقع على قرية ( الجورنيكا ) في عام 1937 م القرية التي كانت آمنة ومسالمة والتي لم تكن خطراً عسكريأ أو استراتيجياً على الالمان , ففي ذلك اليوم الأسود فوجئ اهل القرية بهذا الهجوم من
الطائرات المقاتلة والتي قامت بقصف القرية وما فيها من نساء وأطفال لا حول لهم ولا قوة , حتى تم تدمير هذه القرية ومن فيها بالكامل وقتل فيها أكثر من مئاتا قتيل وبقيت القرية تشتعل لأكثر من ثلاثة أيام وهرب من نجا إلى الملاجئ , وسهلت مهمة الجنرال الاسباني ( فرانكو ) بعد ما تحققت أهدافه النازية في ارهاب الشعب الاسباني لكي يخضعوا السلطة النازية , وقد وصل الخبر للفنان بيكاسو عن طريق الصحف المحلية في باريس وقد تأثر كثيراً وساءه ذلك الفعل الظالم , وعمد لمدة ثلاثة أشهر وهو يخطط ويفكر ويرسم اسكتشاته وتخطيطاته الأولية التي بلغت ستون اسكتشاً ومن ثم بدأ في تنفيذ لوحته العالمية والتي استخدم فيها اسلوبة التكعيبي .